فى المساء.. بعد يوم مشحون بالضجيج.. بينما نلقى بأجسادنا المثقلة.. وعقولنا المرهقة تمتد أيدينا بكسل نقلب بين القنوات.. تداهمنا برامج التوك شو الصارخة.. وجوه متجهمة.. تعلو أصواتها بحدة.. تقذف في وجوهنا بتوجيهاتها العقيمة.. توبخنا.. تلقى علينا بآرائها التافهة وكأنها تنطق بالحكمة.. تتعالى نصائحها المستفزة.. وتعليقاتها السخبفة.. لاندرى من أين إستمدوا ذلك القدر من الثقل والسخافة والضآلة والإسفاف.. تتلون نبرات أصواتهم بشكل مفتعل مقيت مابين صرخات غاضبة وضحكات هستيرية وقناعات جوفاء، تختلط جميعا إما بمديح مبتذل كامل الدسم فى النفاق والقبح أو سيل من القذائف الهجومية الموجهة التى لاتخلو من سب وقدح وتهكم وقح.. نضغط على الريموت بعصبية هاربين منها.. نغلق آذاننا عن ترهاتهم.. ونغلق عقولنا كى لا تتلوث بضحالة نفاقهم.
سنوات ونحن نتجرع تلك السموم.. حصار فرضوه لنظل أسرى لتلك الوجوه.. الهروب منه للأسف لايبدو سهلا.. من سنوات طويلة كنا نجد ضالتنا فى قناة "الجزيرة" عندما جذبتنا بدايتها القوية بدسامة موادها وإحترافيتها ومهنيتها العالية قبل أن تصاب بدورها بنمطية وتقليدية وإنحياز واضح عند عرض قضايا وموضوعات بعينها وغض الطرف عن غيرها.. ليس هناك إعلام برئ مائة فى المائة وليس هناك إعلام حيادى بشكل كامل يهمس فيه الحكماء ومدعو العلم ببواطن الأمور كأنهم يسرون إلينا بأعظم الأسرار.
ليس منا من يجهل تلك الحقيقة.. ولكل منا عقله الذى يميز بسهولة الغث من السمين.. رجل الشارع البسيط لاتنقصه تلك الحكمة ولديه من رجاحة العقل والخبرة والوعى الفطرى لمعرفة ماوراء كل خبر يتلقاه وكل قضية تطرح أمامه وكل موضوع يحاول به ولاة أمره إلهاءه به، وشغل تفكيره عن قضايا وقرارات خطيرة ومستفزة وظالمة، يدرك ذلك لكنه يبدى عدم الفهم فيريح ويستريح.. هدوؤه واستسلامه يجعلهم يتمادون كأنهم ضمنوا نجاحهم فى عملية غسيل المخ التى لايكفون عنها، ولايدركون أو ربما يتجاهلون أن بلاهتهم تلك وأكاذيبهم وسخف برامجهم دفعت البعض للبحث عن بديل.
والأنكى أنهم تسللوا تباعا لقنوات الإخوان التى لاتكف قنوات النظام عن تحذيرهم منها.. لم تدرك أنها بتلك الحملات المكثفة وبكم الهجوم النارى الذى لايتوقف دفعتهم رغما عنهم للجوء لتلك القنوات على الاقل من باب حب الإستطلاع.
بالطبع لن يستغرق هؤلاء الهاربين وقتا طويلا قبل أن يدركوا أنهم إستجاروا من الرمضاء بالنار.. بعدما يكتشفوا أن قنوات الإخوان لاتختلف كثيرا عن غيرها نفس الصرخات.. نفس التجهم.. افتقاد المهنية وتدنى الإحترافية.. نفس وسائل الهجوم وإن كان فى الإتجاه المعاكس.. ربما يضطر لتحمل ذلك بعض الوقت بحثا عن رأي مخالف، يحمل قدرا من حقيقة غائبة، بفعل فاعل يتعمد التعتيم.. يتحامل ليجد نفسه فى النهاية بين شقى رحى، تروس منافقى النظام ومناهضيه.. تطحنه بقسوة وتئد الأمل فى معرفة الحقيقة.. يهرب لما هو أكثر صدقا، فيلم قديم.. مسلسل جديد.. مبارة كرة قدم.. أو أغنية شعبية ركيكة، ربما تكون فى إسفافها الصريح أكثر صدقا من إسفاف ذوى الياقات البيضاء والميكروفونات الجوفاء. آ
-------------------
بقلم: هالة فؤاد